منتديات أقلام و أوراق
مرحبا بالزائر الكريم، حتى تتمكن من الاستفادة أكثر ، نرجو منك التسجيل
منتديات أقلام و أوراق
مرحبا بالزائر الكريم، حتى تتمكن من الاستفادة أكثر ، نرجو منك التسجيل
منتديات أقلام و أوراق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات أقلام و أوراق

حاول دائما أن تبلغ الهدف
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من وصايا جدي (19) من يُقاضي القضاة..؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الخنساء
مشرف عام
مشرف عام
الخنساء


الاسم بالعربية : الخنساء
المهنة : طالبة علم
الاهتمامات : الإبداع الأدبي
الهوايات : المسابقات الفكرية والثقافية
المزاج : أقبل النصيحة وأبحث عن الأمان
انثى
تاريخ التسجيل : 23/02/2010
رقم العضوية : 3
عدد المساهمات : 254
نقاط المساهمات : 5978
نقاط تقييم متنوعة : 3

من وصايا جدي (19) من يُقاضي القضاة..؟ Empty
مُساهمةموضوع: من وصايا جدي (19) من يُقاضي القضاة..؟   من وصايا جدي (19) من يُقاضي القضاة..؟ Icon_minitimeالأربعاء أغسطس 04, 2010 2:38 am


عدنان كنفاني

بين يدي كتاب اعتنى كاتبه في سرد أهم الأحداث التي جرت إبان الحرب العالمية الثانية، وقد مرّ بالذكر على ما أصاب بريطانيا على يد النازيين من مهالك وأوجاع، لم أكن أتصوّر أن الحال وصل بالبريطانيين إلى التفكير بإرسال أعداد من الفتيان والفتيات الإنكليز، إلى بلاد آمنة للمحافظة على الجنس والنوع والعرق الإنكليزي، وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدل على تلك الحال الصعبة التي عاشتها الأمّة الإنكليزية إلى درجة الخوف من فناء النوع، وقرأت أيضاً مواقف السير ونستون تشرتشل الذي كان رئيساً لوزراء بريطانيا في تلك المرحلة، وتصميمه على الدفاع عن بلاده مهما بلغ الثمن، واستحالة رفع راية الاستسلام للنازيين.

ولعل أشد ما استرعى اهتمامي، وبريطانيا تعاني أشد الويلات التي تتعرض لها في تلك الحقبة التاريخية، أن يعقد ونستون تشرشل اجتماعاً لوزارته ليطمئن فقط على مسيرة القضاء والتعليم في البلاد، وعندما وصل إلى قناعة بأن القضاء والتعليم بخير قال مقولته الشهيرة: (إذاً نحن بخير).

أعادتني تلك القراءة إلى ماضٍ بدا لي بعيداً جداً، وصل بي إلى العام 1945، وحكايات جدي.

في تلك الليلة، وبعد صلاة العشاء عاد جدي من المسجد كعادته، كانت تبدو على وجهه علامات الحيرة والدهشة، لكنه عندما رآنا ننتظره بلهفة، انفرجت أساريره، وراحت أصابعه تداعب حبات سبحته الزيتونية.. توجّه إلى مجلسه المفضّل، أصلح من وضع عباءته المشمشية على كتفيه، تنهد، وقال:

ـ الأيام لا تتبدل، لكن الإنسان هو الذي يتبدل ويتغير، تارة للأحسن وتارة للأسوأ.

تبادلنا نظرات مستغربة، إذ لم يعودنا جدي على هكذا حديث فيه كثير من غرائب أمام مخيلاتنا الصغيرة، لكن جدي لم يلبث أن اعتدل في جلسته وتابع يقول:

ـ إن تحقيق العدل بين الناس هو رأس الحكمة في مسألة القضاء والقضاة، ولكن يبدو أن إغراءات المال والجاه تبدّل أخلاق بعض الناس. ومن هنا كان أجدادنا الأوائل أشد حرصا على اختيار القضاة النزيهين لتحقيق العدل بين الناس، وكانوا الأئمة في ذلك، وقد قدموا أنموذجاً فريداً أمام العالم كله.

نظر إلينا وهو يدرك أننا ننتظر أن نفهم ماذا يعني بحديثه، ابتسم وقال:

ـ على خلفية شجار بسيط نشب بين ابن جاري "فريد"، وبعض المتسكعين في السوق تطور إلى تماسك بالأيدي، قامت دورية بريطانية بالقبض على المتشاجرين جميعاً وإيداعهم السجن.

فرد جدي يديه وقال:

ـ وهذا أمر طبيعي.. لكن ما هو غير طبيعي هو ما جرى بعد ذلك، فقد تصالح المتخاصمون، وأسقطوا كل تهمات وادعاءات بينهم، لكن رئيس قسم الشرطة "الإنكليزي" رفض الإفراج عنهم جميعاً قبل أن يدفع كل واحد منهم خمس جنيهات فلسطيني دون وجه حق، يعني على سبيل الرشوة، وقد امتثل الجميع للأمر وتم الإفراج عنهم.

تبادلنا أنا وأخوتي الثلاثة نظرات، كأننا نقول دون أن نقول: ثم ماذا.؟

وقد لاحظ جدي حيرتنا فقد ابتسم، وسطت طويلاً يتفرّس في وجوهنا، ثم قال:

ـ ذكرتني هذه الحادثة بما جرى إبان الحكم العثماني في عكا، فقد ألقت الشرطة القبض على صديق لنا في ذلك الوقت كان يعمل موظفاً في "الإسبيتاليا" المستشفى الوحيد في عكا، وكان المستشفى لا يتسع لأكثر من عشرة أسرّة للمرضى يتزاحم المحتاجون للاستشفاء عليها، وكان من المفترض أن يجري اتباع نظام "الدور وضرورة حاجة المريض" لتحقيق عدالة في ذلك الأمر، لكن صديقي أصلحه الله، قبل محرجاً أن يتلقى هدية بسيطة من أحدهم ليقوم بحجز سرير له على غير وجه حق، هذه الهدية كانت عبارة عن علبة من البسكويت الفاخر اعتبرتها السلطات رشوة مقابل تلك الخدمة التي وفّرها للراشي.

وأودع السجن بسبب ذلك.

يومذاك قلنا إن الحكومة لها الحق في ذلك، والمرتشي يجب أن ينال الجزاء العادل.

لكن ما جرى بعد ذلك كان أغرب من أي تصوّر، فقد تكلّفت أسرة صديقي المسجون "الذي لم تنفع معه كل الدفوعات القانونية، ولا المدة التي قضاها في السجن، ولا تجريده من الحقوق المدنية" دفع أكثر من خمسين ليرة ذهبية "رشادي" عدا أجور المحامين ومصاريف الدعوى، رشوة للقضاة والكتاب والمدونين والفراشين لتأمين الإفراج عن مرتشي، جسم الرشوة علبة بسكويت لا يزيد ثمنها على خمس "مجيديات" لا غير..

ضحك جدي وأردف:

ـ ما أشبه اليوم بالأمس.

كان ذلك في مطالع العام 1945، عن حادثة جرت قبل العام 1916..!

عندما أعادتني الذاكرة إلى ذلك الوقت البعيد، وإلى تلك الحكاية، كنت أتابع حكايات مماثلة تقف في دهاليز المحاكم والقضاء، قلت، لقد صدق الله سبحانه عندما قال في كتابه العزيز:

بسم الله الرحمن الرحيم، (وتلك الأيام نداولها بين الناس) صدق الله العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من وصايا جدي (19) من يُقاضي القضاة..؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أقلام و أوراق :: فئة إبداع وأدب :: منتدى الخاطرة-
انتقل الى: