الخنساء مشرف عام
الاسم بالعربية : الخنساء المهنة : طالبة علم الاهتمامات : الإبداع الأدبي الهوايات : المسابقات الفكرية والثقافية المزاج : أقبل النصيحة وأبحث عن الأمان تاريخ التسجيل : 23/02/2010 رقم العضوية : 3 عدد المساهمات : 254 نقاط المساهمات : 6178 نقاط تقييم متنوعة : 3
| موضوع: مشهد من البصرة الأربعاء أغسطس 04, 2010 2:33 am | |
| قصة : عدنان كنفاني( قاص من العراق)
ليلة طويلة مرعبة عاشتها أسرة أبو محمود، كما عاشتها كل بيوت مدينة البصرة.
طائرات تحلّق وتلقي قنابلها وصواريخها في كل مكان، في الشوارع وعلى البيوت وشبكات توليد الكهرباء ومحطات تصفية المياه، ومستودعات المواد التموينية، والمستشفيات..
مدافع تطلق قنابلها الثقيلة أيضاً فتسقط في كل مكان مثيرة الرعب والخوف والدمار، وصواريخ ضخمة تأتي من مسافات بعيدة وتسقط في المدينة الباسلة..
كانت تلك الليلة الثالثة التي يقضيها سكان البصرة تحت وابل القصف،
والناس كل الناس في أرجاء الوطن العربي يتابعون باهتمام ما يجري في العراق عبر شاشات التلفاز والمحطات الفضائية، يتألمون ويحزنون ولا يملكون من أمرهم شيئاً غير الدعاء والصبر والانتظار.
فراس.. طفل لم يبلغ الثامنة بعد، يقيم مع أسرته في مدينة دمشق، يجلس على حضن أبيه بين أفراد أسرته، يتابع هو الآخر خائفاً ما يجري على الشاشة أمامه وهو يحسب أنه يشاهد فيلماً سينمائياً ولا يصدق أن ما يجري حقيقة.. ويسأل أباه:
ـ هل تبعد البصرة عنا كثيراً.؟ هل يمكن أن يصلوا إلينا.؟ هل سيهدمون بيتنا يا أبي.؟
وأبوه يحضنه ويحاول أن يبعث الهدوء والطمأنينة في نفسه.
كان محمود أيضاً طفلاً في سن فراس، لكنه يقيم في البصرة تلك المدينة التي تتعرض لهجوم الغزاة برابرة العصر الحديث.. يسمع تلك الأصوات المرعبة ويحاول أن يخفي رأسه في صدر أمه..
خائف يرتجف من الخوف وكلما سقطت قنبلة على مقربة من بيتهم يصرخ من شدة الخوف، ويضع يديه على أذنيه حتى يخفف من وقع أصوات الانفجارات الهائلة..
تعود الطائرات مرة ثانية، أصواتها تصم الآذان تدور فوقهم ثم تلقي حممها عليهم، تتطاير الشظايا تقتل كل شيء في الحيّ الذي تسكنه مجموعة كبيرة من الناس الفقراء.
رائحة البارود تزكم الأنوف والصدور، غبار كثيف ينتشر في كل مكان، ودمار يطال كل بيوت الحيّ
محمود يعانق أمّه ويحاول أن يخفف من خوف ورعب أخته سلوى الصغيرة وهي تسمع وتبكي ولا تعرف ما الذي يجري من حولها..
جثث تملأ الشوارع والطرقات، وأخرى ما زالت تحت أنقاض البيوت المتهدّمة، كان أبو محمود أحد الذين طالهم القصف واستشهد..
صراخ وبكاء.. أمهات تبكي، وأطفال يتجمّعون ينظرون بفزع إلى الدمار وإلى البيوت الكثيرة المهدّمة فوق ساكنيها، والحرائق ما زالت تشتعل هنا وهناك..
بيت صديقه عمران يحترق والناس يتراكضون يحاولون تقديم ما يستطيعون من مساعدة لإنقاذ الذين بقوا أحياء تحت خراب البيوت.
بدأت الدبابات المجنزرة تقتحم الحارات وهي تطلق قذائفها هنا وهناك،
جنديّ أمريكي مدجج بالسلاح يطلّ من برج الدبابة يطلق النار على كل شيء يتحرك،
فراس يتابع المشهد على شاشة التلفاز بخوف ووجل، الجندي الغريب يطلق الرصاص على محمود فتصيب الرصاصة أخته سلوى التي تلفظ أنفاسها بين يديه..
الجندي يضحك بانتصار ويطلق رصاصاته على أكياس الطحين في بيت محمود فتشتعل فيها النيران..
في صباح اليوم التالي، بينما كان الناس من أهل البصرة يدفنون شهداءهم، ويحاولون رفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحزن يبدو على وجوههم كان فراس أيضاً يتابع المشهد عبر التلفاز..
الجندي نفسه الذي قتل ودمّر وأحرق في الأمس ينزل من الدبابة وهو يحمل بين يديه كيساً مليئاً بالحلوى يبتسم، ويحاول أن يقدم الحلوى إلى الصغار الذين يتحلقون حوله ليتفرجوا كيف يبدو شكل البربري
اقترب محمود من الجندي الذي قدم له الحلوى..
نظر محمود إلى الجندي الغريب باشمئزاز، وأدار وجهه عنه دون أن يلمس قطعة واحدة من الحلوى، وعندما ابتعد قليلاً تناول حجراً وألقاه على الجندي، وهرب قبل أن يطلق عليه الرصاص.
فراس يتابع المشهد بدهشة، ثم صرخ:
ـ بطل يا محمود.. بطل
التفت إلى أبيه وتابع بصوت حزين
ـ رغم أنه جائع ولم يتناول طعاماً من يومين، لكنه رفض طعام الغزاة..
ابتسم أبو فراس راضياً وقال:
ـ يا بني العربي لا يسكت على ضيم، وعندما يكبر محمود سينال ثأره لا محالة، وسيبقى مزروعاً في أرضه ويدحر الغزاة البرابرة..
لقد مرت على بلادنا يا بني غزوات لا تحصى.. أين هم الآن.؟ لقد غادروا مهزومين وبقينا نحن أصحاب الأرض والحق، ولا بد مهما طال الزمن أن ننتصر.. | |
|