جميل الصيفي
مرة أخرى عادت دقات طبول الحرب تملأ الأجواء في الشرق الأوسط، فهل هذا إيذان ببدء جولة جديدة من حمامات الدم وسفك الدماء في هذه المنطقة التي كانت وما زالت -وستبقى على ما يبدو- مسرح المعارك والحروب بين كافة الفرقاء والقوى العالمية، وكأن قَدَر هذه المنطقة أن تُحرم من السلام والهدوء، لا بل وأنها كانت وما زالت مسرحاً لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى في العالم، فمنذ عهد الرومان والفرس والهكسوس، مروراً بغزو التتار والصليبيين والحربين العالميتين الأولى والثانية، وما تبعهما من حروب في فلسطين والعراق والحال كما هي في الشرق الأوسط، فما تكاد تضع حرب أوزارها إلا والحرب التالية تكون قد أطلت برأسها وهكذا دواليك.
اختلف المؤرخون في تشخيص الأسباب لاختيار هذه المنطقة لتكون ساحة ومسرحاً معداً باستمرار للمواجهات والحروب الدامية، فمنهم من عزا ذلك إلى موقعها الاستراتيجي كملتقى طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، ومنهم من رأى أن العامل الديني، بل قل التعصب الديني، كان وراء شن مثل تلك الحروب، كما حصل في الحروب الصليبية التي كانت تخفي وراء الشعارات الدينية أهدافاً سياسية واقتصادية لا مجال لذكرها الآن، خاصة الحروب الداخلية والإقليمية في أوروبا في حقبة العصور الوسطى، ومنهم من يعزو ذلك إلى ما يسمى بلعنة البترول والثروات الطبيعية الهائلة التي اكتشفت فيها في النصف الأول من القرن الماضي، وفتح شهية الطامعين في نهب خيراتها عن طريق بث الشقاق والنزاع بين مختلف دولها التي أقيمت بفعل سيطرة الحلفاء على المنطقة بعد هزيمة تركيا وتفرق العالم العربي وتحوله إلى دويلات متنازعة فيما بينها، ناهيك عن زرع "إسرائيل" في وسطها فقطعت أوصال العالم العربي، وفصلت الجزء الآسيوي منه عن الإفريقي، ولعبت على إذكاء نيران الحروب والصراعات القومية والمذهبية والطائفية، فضلاً عن فصل مناطق من هذه الدولة وضمها إلى أخرى إمعاناً في غرس بذور الحروب بين تلك البلدان، كما حصل مع العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، بل وصل بهم الأمر إلى فصل أجزاء من هذا البلد وإعلانها دولة مستقلة بحد سيف سلطات الاستعمار.
وعليه فليس من الغريب أن تندلع نار الحرب بين فينة وأخرى في هذه المنطقة، علما أن هناك الكثير من الذرائع التي يتعلل بها موقدو نار الحرب، ولنبدأ بقضية المشروع النووي الإيراني بعد كل ما جرى في العراق، فما كادت قوى التطرف في الغرب تُجهز على العراق وتحتله وتدمره حتى بدأت تلك القوى -وربما بإيحاء من القوى الصهيونية العالمية- في التركيز على ما يزعمون من خطر المشروع النووي الإيراني، بحجة أنه يشكل خطرا على بقاء "إسرائيل"، كما روجت "إسرائيل" لذلك، ودفعت بكل قوى الصهيونية في الغرب للترويج لما يسمونه زوراً وبهتاناً الخطر على وجود "إسرائيل" التي تمتلك ترسانة نووية اختلف المراقبون في تقدير عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، ولكنها كانت تتراوح ما بين 200 إلى 300 رأس نووي، في حين أن إيران لا تمتلك حالياً ولا في المدى المنظور أسلحة نووية، ناهيك عن فتوى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بتحريم امتلاك مثل تلك الأسلحة.
ما الذي تريده "إسرائيل"؟ فما كادت عاصفة صواريخ سكود السورية المزعومة إلى حزب الله تهدأ إلا وقد اجتمع مجلس الأمن الدولي وأقر عقوبات صارمة جديدة على إيران، ومن ثم تناقلت وسائل الإعلام الأنباء عن استعدادات عسكرية إسرائيلية جديدة وآخرها إطلاق قمر التجسس العسكري الإسرائيلي «أوفيك 9»، وربما بالتعاون مع بعض القوى الإقليمية من أجل شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، وذلك بموافقة ضمنية أميركية، وربما صريحة، وحتى بموافقة بعض الأطراف الإقليمية إمعاناً في إذكاء أجواء الحرب في منطقة أشبه ما تكون كمن يقبع فوق برميل بارود، وهذا الوضع الخطير لا يحتمل ارتكاب الأخطاء حتى وإن كانت صغيرة، فعود ثقاب صغير يمكنه إشعال حريق كبير في حرج واسع، وربما يشعل المتفجرات التي تقبع فوقها منطقة الشرق الأوسط، فهل "إسرائيل" حقاً قاب قوسين أو أدنى من شن هجوم عسكري جوي على المنشآت النووية الإيرانية، وهل هي تعي تداعيات ذلك إقليمياً ودولياً، أم هي مجرد مناورات خطيرة من أجل خلط الأوراق من جديد، وإبعاد الانتباه عن المحاولات الدولية للضغط على "إسرائيل" لتقديم تنازلات من أجل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
أياً كان الدافع وراء ما أشيع أخيراً من استعدادات إسرائيلية لشن الهجوم على إيران، فإن مضمون ذلك خطير، بل خطير جداً، وربما نستيقظ ذات يوم لنرى الحمقى قد أشعلوا ناراً في منطقة الشرق الوسط ستأكل الأخضر واليابس، فغلاة المتطرفين من اليمين الصهيوني والأميركي يفكرون بعقلية أسد الغاب الذي لا يهمه سوى إشباع نهمه حتى وإن لقي مصرعه جراء ذلك، فلم يستخلص هؤلاء العبرة من أفغانستان والعراق، بل هم مستمرون في أجندتهم التي تعتبر أن القوة فقط هي الحل، ولكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن جواب للسؤال: ثم ماذا بعد؟
فهل "إسرائيل" مستعدة لعواقب شن مثل هذا الهجوم، أم أنها تريد فقط من أميركا وإدارة أوباما بالذات أن تقدم لها التنازلات وتطلق يدها لتعيث فساداً في المنطقة، وتلتف على المفاوضات العبثية بين "إسرائيل" والفلسطينيين برعاية أميركية، كما حصل عندما كان أوباما يواجه مشكلة في حشد الأغلبية لتمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية في أميركا، عندها تقدم اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، ومنظمة «إيباك» تحديداً لتوفير الأغلبية التي يحتاجها لتمرير هذا القانون شريطة الحد من الضغوط الأميركية على "إسرائيل"، خاصة في موضوع القدس وهكذا كان.
من وجهة نظري الشخصية فإني لا أستبعد اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، وتحديداً قبل نهاية هذا العام وقبل الانتخابات النصفية الأميركية، وقد تريدها "إسرائيل" محدودة مع إيران، ولكني أعتقد أنها ستكون شاملة، مع عدم استبعاد أن يكون الهدف من إطلاق التصريحات الإسرائيلية والترويج لأنباء عن مشاركة هذا الطرف الإقليمي في الجهود من أجل قصف إيران ليست سوى مناورات سياسية خطيرة يمكن أن تشعل فتيل الحرب حتى وإن لم يقصد أصحابها ذلك، فأي الاحتمالين سيكون الأرجح؟ سؤال سنجد الإجابة عليه قبل نهاية هذا العام على الأرجح.
jamilsaify@yahoo.comصحيفة العرب القطرية